إعلان على قافية بن سرور
قبل أن تُولد الحملات الإعلانية بمفاهيمها الحديثة، كان الشعر الشعبي هو المنبر الذي تُصنع من خلاله السمعة ويُبنى حوله الرأي العام. فكيف برز الجمس موديل 1964 كمثال حي؟

قبل أن تُولد الحملات الإعلانية بمفاهيمها الحديثة، كان الشعر الشعبي هو المنبر الذي تُصنع من خلاله السمعة ويُبنى حوله الرأي العام. وفي هذا السياق تحديدًا، يبرز الجمس موديل 1964 مثالًا حيًّا على منتج دخل الوعي الجمعي عبر القصيدة لا عبر الإعلان.
الشعر.. أقوى أشكال التسويق الشفهي
في ما مضى، كان البيت الشعري هو من يشعل الحديث ويصنع «الترند»؛ ينتقل من مجلس إلى آخر بسرعة تفوق أي وسيلة إعلامية في وقتها. وما نعرفه اليوم بالتسويق الشفهي، فكان يُصاغ على لسان شاعر موثوق، تشكل كلماته شهادة جودة أقوى من أي حملة إعلانية.
تؤكد دراسات Nielsen أن أكثر من 70٪ من الجمهور يثقون بالتوصية الشفهية، ما يفسّر لماذا كانت قصيدة واحدة كافية لتشكيل رأي واسع تجاه منتج معيّن.
القصيدة التي صنعت صورة الجمس
كان بندر بن سرور يُدخل الجمس في قصائده بطريقة سلسلة ومميزة، ويتحدث عنه كأنه جزء مركزي في رحلته وامتداد لكيانه وأحد أعز أصدقائه.
ومن أبرز أبياته التي ارتبطت بالسيارة:
«قالوا ونيّتك يطرب الحال ممشاه
جمسٍ جديد وجيداتٍ مواطيه
ثم قال حاضر كل هرجك حفظناه
من حرّ ما يوجس بصدره ويخفيه
غير زيوتك والتوانك معبّاه
ضبط بلاكاته وغيّر بواجيه»
«راكب اللي يوم طب من النفودي ... كن صلفات الهبايب عج ويله
صوت سيره يوم غنى بالعمودي ... صوت ذيب وارداً راس الطويله»
«ياهل الونيت اللي على مدقمه ميم ... نقل الرياض الخط ماتوصلونه
صناعتة مخطين ملة ابراهيم ... حمران روم لونهم مثل لونه
مارهموا له بالكراجات ترهيم ... ولا طلعو كبريترة ينفخونه
والله لو امسك طارته يالمغانيم ... ماعاد اقلد دولة يصنعونه»
«وجدي عليه وجد من هرّب الجمس ... في حمله يا عبيد سبع المثاني
يوم الطرد غدت ثلاثه كما الخمس ... قامت تقطّع قربته جدّ عاني»
بهبهاني .. من مركبة إلى علاقة شخصية
لم يكن بندر يستعرض مواصفات السيارة، بل كان يصف الثقة التي تمنحها له، وهذا يمثل ما يُعرف اليوم بالارتباط الوجداني بالعلامة.
عندما يرى الجمهور أن الشاعر يرتبط عاطفيًا بشيء ما، يتبنون هذا الارتباط تدريجيًا، حتى يصبح مع الوقت جزءًا من نظرتهم الخاصة للمنتج.
كيف صنعت القصيدة صورة ذهنية لسيارة؟
مع تكرار ذكر الجمس في سياقات السفر والليل والطرق الوعرة، تشكلت صورة ذهنية واضحة: سيارة متينة ورمز للقوة والموثوقية والرفقة.
هذا التأثير يشبه ما نراه اليوم في «محتوى المراجعات» و«المؤثرين»، لكن الفرق أنه في ذلك الزمن كان أكثر صدقًا وأقرب للناس، لأنه خرج من واقع التجربة لا من عقد الرعاية.
الشعر وأثره على قرارات الشراء
يتأثر الناس باللغة الإحساسية؛ والقصيدة تُشكل لدى المستمع اعتقاد خفي بأنها رواية حقيقية، وتُظهر الدراسات الحديثة أن المحتوى الذي يعتمد على الارتباط العاطفي يرفع رغبة الجمهور في الاقتناء بنسبة 23٪. ولذلك انتشر الجمس حتى بين من لم يجربه، لأنهم «اختبروا» التجربة من خلال القصائد.
المحتوى الصادق لا يُهزم
من دون دعاية مباشرة أو مادة إعلانية واحدة، صنع الجمس سمعته لأن صوت شاعر صادق تبنّاه. هذه التجربة تختصر درس تسويقي خالد: حين ينبثق «الإعلان» من القلب والتجربة، يتجاوز أثره أقوى الحملات التسويقية.










